اعتدت مجموعات من شباب لبنانيين بالضرب والإهانات على شبان سوريين في الأيام القليلة الماضية، فيما تكاثرت لافتات البلديات المُعلِنة حظر التجول على النازحين في مناطق عدة من لبنان... جاء ذلك كما يبدو، ردة فعل على قيام تنظيم "الدولة الاسلامية" (داعش) بقتل جنديين من مجموعة العسكريين اللبنانيين المحتجزين لدى التنظيم.
إثر ذلك، شهدت وسائل التواصل الاجتماعي حالة امتعاض وغضب جماعي بين السوريين عامةً، فيما هربت عائلات لاجئة من أماكن إقامتها خوفاً من اعتداءات قد تطالهم، بينما حاول أفراد لبنانيون وسوريون احتواء الاحتقان.
ليست هذه المرة الأولى التي يتعرّض فيها السوريون للاعتداء في لبنان كردّة فعل على شيء لم يقترفوه، وكذلك ليست محاولات احتواء الاحتقان هي الأولى من نوعها.
وعلى الرغم من تكرار المواقف وتشابه ردات الفعل، إلا أن أسباب حدوثها تبدو عصيّة على التناول في إطار جمعيّ مُفسّر لتلك الحالات من الإنفعالات المنفلتة.
في أحد أفلام الأكشن الهوليوودية، قام رئيس شركة أدوية عالمية بالتعاون مع أشخاص ذوي نفوذ في المنطقة باختراع فيروس معدٍ ينتقل عن طريق الهواء، كما قام بتركيب العلاج المضاد له، في حركة أراد منها إنقاذ شركته من الإفلاس، ورصد لذلك حملة إعلامية كبيرة.
وبعد أيام، جرى سحب الخبر من الإعلام ومسحه من التداول بين الرأي العام، وكأن الفيروس وعلاجه لم يكونا أكثر من شائعات.
هكذا تعمل الأحزاب السياسية التقليدية في سوريا ولبنان على ما يبدو.. فالشركة السورية اللبنانية المتّحدة في المسار والمصير أصدرت في الآونة الأخيرة فيروس "الجنون الداعشي" نتجت عنها العوارض الدامية التي سبق الحديث عنها.
نصرالله: "الذهاب للقتال في سوريا هو في الدرجة الأولى للدفاع عن لبنان وعن المقاومة في لبنان وعن كل اللبنانيين من دون استثناء"، و"حادثة عرسال الأخيرة جاءت لتؤكد هذه الرؤية".
يمتاز هذا الفيروس بأن عوارضه على المجموعات تختلف في الشكل والحدّة بحسب الجهاز المناعي لكلّ مجموعة مستهدفة. في حالة المجموعات اللبنانية، الخلايا المهيأة سابقاً هي الأكثر تأثراً وضعفاً، ويتكفّل النزاع الطائفي والمذهبي بوهن الخلايا، فلا يبقى على الفيروس إلا أن يتلف منطق الجماعة المستهدفة فحوّل كلّ السوريين في نظرها إلى دواعش.
نصر الله: "نقاتل في سوريا دفاعاً عن لبنان وسوريا والقضية الفلسطينية".
أما تأثير الفيروس على الجماعات السورية فقد تشكّلت عوارضه حسب عوارض الجماعات اللبنانية، ولأنها "تعاني من ضعف مناعي سببه الصدمات العنيفة جعلها تضع كل اللبنانين في خانة واحدة وتمارس حالة من الهيجان الجماعي المؤقت بحقهم، إذ صار كل اللبنانيين في نظر الجماعات السورية في منزلة واحدة: تلك المجموعات التي اعتدت على اللاجئين، بل صار لبنان كلّه في هذه المنزلة التي تجمع أقبح الصفات الطائفية والعنصريّة والموالية للنظام السوري.
لا تتبع الشراكة السورية اللبنانية، بين النظام في دمشق وحلفائه في لبنان، طريقة شركات الأدوية بحذافيرها، إذ إنها لا تنتج ما يذهب بالفايروس ويكسبها الأرباح السياسية والشعبية، بل تبقي رواسب الفيروس حاضرة، لتبقي جهاز المناعة للجماعات السورية واللبنانية متحفّزاً، وتحكم القبضة على ردود فعله. وعلى ذلك فإن حزب الله نجح فعلاً في تسويق نفسه بين جمهوره على أنه يقاتل "التكفيريين" في سوريا دفاعاً عن لبنان، وليس دفاعاً عن نظام قمع احتجاجات شعبية.
نصر الله: على الجميع أن يكون جزءاً من هذه المعركة للدفاع عن المسلمين والمسيحيين والأقليات الدينية .
إن تعميم فكرة أن كلّ المتمردين على نظام بشار الأسد هم تكفيريون ومتشددون ينبغي قتالهم "دفاعاً عن المسلمين والمسيحيين والأقليات" من جهة، وتعميم أن كل السوريين مسؤولون عن أفعال النظام أثناء هيمنته على لبنان من جهة أخرى، هو بالضبط ذلك الانطلاق التحريضي للفيروس، الذي يعزز الوهم والقلق الناتج عن الصور النمطية الراسخة في الأذهان، والتي يجري العمل عليها بإيحاءات مستمرة لترسيخها أكثر فأكثر.
"إن نزعتَي الاستبدادية والتعصب عامتان لدى كل فئات الجماهير، ولكنهما تتجسدان بأنواع ودرجات متفاوتة جداً" (غوستاف لوبون من كتابه سايكولوجيا الجماهير).
يبدو أن المستفيدين من تأجيج الاحتقان بين السوريين واللبنانيين على يقين بأن القواعد الجماهيرية للطرفين مهيأة للإصابة بكل أنواع الفيروسات، ويعلمون أن نشر أخبار وافتعال ممارسات موجَّهة، كافية للتعبئة الجماعية وتحضيرها لتلقي الفيروس الذي يريدون إطلاقه.
نحن والآخر
الأفكار المسبقة والنمطية تستند الى عدد من المفاهيم أو الموضوعات التي ترتبط بشحناتٍ انفعالية ذات طاقة كبيرة تجاه "الأنا" و"الآخر"، تجاه "نحن" و"هُم". يبدو فيها "الآخر" المقابل الحقيقي والمتخيَّل، جماعات وفرادى، سجين الأبد والثبات واللاتغيير. هي يقينيات مطمئنة عامة وشاملة، تنضح بالبساطة وتعنّد على المقاومة والدّحض والمساءلة.
إنهم هم، جميعهم وكلّهم. كلّ الكلّ: كلّ اللبنانيين عنصريون وطائفيون، كل السوريين دواعش وأشرار. في ذلك تذوب الفوارق المتدرجة فاتحة الأبواب للأبيض والأسود. لا شيء مُدركاً إلّا القواطع والتّماسات الواضحة دائماً وابداً.
من بيان اجتماع حسن نصر الله وميشال عون، أعضاء الشركة السورية اللبنانية: "أكد المجتمعون صحة رؤيتهم للأخطار وصوابية تحذيرهم من الانقسامات الطائفية والتدميرية في لبنان والمنطقة حيث ثبتت صحة التفاهم الذي بنوه والذي يشجعون على تعميمه على باقي .
القوى تحصيناً للوضع الداخلي في مواجهة الفتنة المرفوضة".
ضحى حسن
NOW
إثر ذلك، شهدت وسائل التواصل الاجتماعي حالة امتعاض وغضب جماعي بين السوريين عامةً، فيما هربت عائلات لاجئة من أماكن إقامتها خوفاً من اعتداءات قد تطالهم، بينما حاول أفراد لبنانيون وسوريون احتواء الاحتقان.
ليست هذه المرة الأولى التي يتعرّض فيها السوريون للاعتداء في لبنان كردّة فعل على شيء لم يقترفوه، وكذلك ليست محاولات احتواء الاحتقان هي الأولى من نوعها.
وعلى الرغم من تكرار المواقف وتشابه ردات الفعل، إلا أن أسباب حدوثها تبدو عصيّة على التناول في إطار جمعيّ مُفسّر لتلك الحالات من الإنفعالات المنفلتة.
في أحد أفلام الأكشن الهوليوودية، قام رئيس شركة أدوية عالمية بالتعاون مع أشخاص ذوي نفوذ في المنطقة باختراع فيروس معدٍ ينتقل عن طريق الهواء، كما قام بتركيب العلاج المضاد له، في حركة أراد منها إنقاذ شركته من الإفلاس، ورصد لذلك حملة إعلامية كبيرة.
وبعد أيام، جرى سحب الخبر من الإعلام ومسحه من التداول بين الرأي العام، وكأن الفيروس وعلاجه لم يكونا أكثر من شائعات.
هكذا تعمل الأحزاب السياسية التقليدية في سوريا ولبنان على ما يبدو.. فالشركة السورية اللبنانية المتّحدة في المسار والمصير أصدرت في الآونة الأخيرة فيروس "الجنون الداعشي" نتجت عنها العوارض الدامية التي سبق الحديث عنها.
نصرالله: "الذهاب للقتال في سوريا هو في الدرجة الأولى للدفاع عن لبنان وعن المقاومة في لبنان وعن كل اللبنانيين من دون استثناء"، و"حادثة عرسال الأخيرة جاءت لتؤكد هذه الرؤية".
يمتاز هذا الفيروس بأن عوارضه على المجموعات تختلف في الشكل والحدّة بحسب الجهاز المناعي لكلّ مجموعة مستهدفة. في حالة المجموعات اللبنانية، الخلايا المهيأة سابقاً هي الأكثر تأثراً وضعفاً، ويتكفّل النزاع الطائفي والمذهبي بوهن الخلايا، فلا يبقى على الفيروس إلا أن يتلف منطق الجماعة المستهدفة فحوّل كلّ السوريين في نظرها إلى دواعش.
نصر الله: "نقاتل في سوريا دفاعاً عن لبنان وسوريا والقضية الفلسطينية".
أما تأثير الفيروس على الجماعات السورية فقد تشكّلت عوارضه حسب عوارض الجماعات اللبنانية، ولأنها "تعاني من ضعف مناعي سببه الصدمات العنيفة جعلها تضع كل اللبنانين في خانة واحدة وتمارس حالة من الهيجان الجماعي المؤقت بحقهم، إذ صار كل اللبنانيين في نظر الجماعات السورية في منزلة واحدة: تلك المجموعات التي اعتدت على اللاجئين، بل صار لبنان كلّه في هذه المنزلة التي تجمع أقبح الصفات الطائفية والعنصريّة والموالية للنظام السوري.
لا تتبع الشراكة السورية اللبنانية، بين النظام في دمشق وحلفائه في لبنان، طريقة شركات الأدوية بحذافيرها، إذ إنها لا تنتج ما يذهب بالفايروس ويكسبها الأرباح السياسية والشعبية، بل تبقي رواسب الفيروس حاضرة، لتبقي جهاز المناعة للجماعات السورية واللبنانية متحفّزاً، وتحكم القبضة على ردود فعله. وعلى ذلك فإن حزب الله نجح فعلاً في تسويق نفسه بين جمهوره على أنه يقاتل "التكفيريين" في سوريا دفاعاً عن لبنان، وليس دفاعاً عن نظام قمع احتجاجات شعبية.
نصر الله: على الجميع أن يكون جزءاً من هذه المعركة للدفاع عن المسلمين والمسيحيين والأقليات الدينية .
إن تعميم فكرة أن كلّ المتمردين على نظام بشار الأسد هم تكفيريون ومتشددون ينبغي قتالهم "دفاعاً عن المسلمين والمسيحيين والأقليات" من جهة، وتعميم أن كل السوريين مسؤولون عن أفعال النظام أثناء هيمنته على لبنان من جهة أخرى، هو بالضبط ذلك الانطلاق التحريضي للفيروس، الذي يعزز الوهم والقلق الناتج عن الصور النمطية الراسخة في الأذهان، والتي يجري العمل عليها بإيحاءات مستمرة لترسيخها أكثر فأكثر.
"إن نزعتَي الاستبدادية والتعصب عامتان لدى كل فئات الجماهير، ولكنهما تتجسدان بأنواع ودرجات متفاوتة جداً" (غوستاف لوبون من كتابه سايكولوجيا الجماهير).
يبدو أن المستفيدين من تأجيج الاحتقان بين السوريين واللبنانيين على يقين بأن القواعد الجماهيرية للطرفين مهيأة للإصابة بكل أنواع الفيروسات، ويعلمون أن نشر أخبار وافتعال ممارسات موجَّهة، كافية للتعبئة الجماعية وتحضيرها لتلقي الفيروس الذي يريدون إطلاقه.
نحن والآخر
الأفكار المسبقة والنمطية تستند الى عدد من المفاهيم أو الموضوعات التي ترتبط بشحناتٍ انفعالية ذات طاقة كبيرة تجاه "الأنا" و"الآخر"، تجاه "نحن" و"هُم". يبدو فيها "الآخر" المقابل الحقيقي والمتخيَّل، جماعات وفرادى، سجين الأبد والثبات واللاتغيير. هي يقينيات مطمئنة عامة وشاملة، تنضح بالبساطة وتعنّد على المقاومة والدّحض والمساءلة.
إنهم هم، جميعهم وكلّهم. كلّ الكلّ: كلّ اللبنانيين عنصريون وطائفيون، كل السوريين دواعش وأشرار. في ذلك تذوب الفوارق المتدرجة فاتحة الأبواب للأبيض والأسود. لا شيء مُدركاً إلّا القواطع والتّماسات الواضحة دائماً وابداً.
من بيان اجتماع حسن نصر الله وميشال عون، أعضاء الشركة السورية اللبنانية: "أكد المجتمعون صحة رؤيتهم للأخطار وصوابية تحذيرهم من الانقسامات الطائفية والتدميرية في لبنان والمنطقة حيث ثبتت صحة التفاهم الذي بنوه والذي يشجعون على تعميمه على باقي .
القوى تحصيناً للوضع الداخلي في مواجهة الفتنة المرفوضة".
ضحى حسن
NOW