التفجير والشاشة والمشاهد
الساعة 11:35 ليلاً الطيونة – بيروت
شخص ما لا نعرف إذا كان ذكراً أو أنثى يقود أو تقود سيارة مرسيدس بيضاء اللون أو حمراء اللون، ي/تجلس خلف مقود السيارة. في الخارج ضجيج وصرخات متقطعة.
شاشة التلفزيون والمشاهدون
ملعب أخضر، جمهور غفير، لاعبون وحكام، الكرة في الملعب يتم تقاذفها بسرعة، القدم تضرب، القدم ترفع، والقدم تسدد الهدف، البرازيل تدخل هدفاً، المشاهدون في هذه اللحظة قفزوا، صرخوا، وصفقوا، تزامن هذا مع المفرقعات المرافقة للـ "غول" (هؤلاء هم مشجعو البرازيل)، بينما مشجعو الفريق الثاني صمتوا، تذمروا، غضبوا، وتململوا.
الساعة 11:40 ليلاً الطيونة
المخلوق ذاته خلف مقود السيارة البيضاء أو الحمراء. ما زلنا لا نعرف إذا كان ذكراً أم أنثى، ي/تقف بالقرب من أحد المقاهي. .
شاشة التلفاز والمشاهدون
الكرة الموجودة في الملعب ما زالت تتدحرج بين الأقدام، الجمهور في الشاشة يهتف ويشجع، المشاهدون يفعلون المثل.
المُشاهد يدخل الشاشة
11:44 ليلاً
المشاهدون في المقاهي والمنازل يتابعون مباراة البرازيل والكاميرون التي تترافق مع أصوات المفرقعات والرصاص من مشجعي الفريق البرازيلي في بيروت، بعد لحظات دوى صوت قوي هزّ المدينة، وهنا تغيرت المواقع. مشاهدو المباراة أصبحوا هم الحدث، وانتقلو إلى داخل الشاشة.
لحظة وقوع الحدث وتداعياته في الـ 30 دقيقة الأولى
باتَ قاطنو المدينة جزءاً من المشهد الآن، معظمهم تأثر بالحدث، جسدياً ونفسياً، إذ سبّب التفجير أضراراً جسدية لمن كان بقربه، ونفسية لكل من سمع صوته. شعر بالاهتزاز الذي سببه أو سمع الخبر، وتابع ما نقلته وسائل الاعلام، (حالة القلق والرعب والخوف والهلع على نفسه أو على الآخر).
إذا افترضنا أن الجمهور الذي كان يتابع المباراة أو جزءاً كبيراً منه انتقل من حالة المُتابِع إلى المُتابَع من قبل المشاهدين في البلدان الأخرى عبر شاشات التلفزيون.
الإعلام المشاهِد
يعلّق المشاهدون عادةً أثناء متابعتهم المباراة بجمل سريعة متحمسة وانفعالية، مبنية على تشجيعهم لفريق محدد،على سبيل المثال "الفريق البرازيلي أكيد رح يفوز على كاميرون"، "لو انتبه الحكم كان هاد فاول"، "لو هجم الفريق الكاميروني من جهة اليمين كان دخل غول"،"لو ما ضرب اللاعب الطابة برجلو الشمال ما كانت طلعت برّات الملعب".
الإعلام اللبناني أخذ دور المشاهِد في نقله للتفجير، إذ تعامل مع النقل والتعليق على تفاصيل ووقائع الحدث كما لو كان يتابع مباراة ما.
- قناة المستقبل: "معلومات عن سقوط 3 شهداء وأكثر من 20 جريحاً"
- قناة ال بي سي: "3 شهداء، و15 جريحاً في المحصلة الأولى لانفجار الطيونة".
- المستقبل "الصليب الأحمر اللبناني: الحصيلة 15 جريحاً إصابة معظهم طفيفة".
- ام تي في: "حتى الساعة تأكد سقوط شهيد و4 جرحى والعدد مرجح بقوة للارتفاع".
-ال بي سي: "لا شهداء في الانفجار الذي حصل في منطقة الطيونة".
- قناة الجديد: "الانفجار وقع في سيارة مرسيدس من طراز إم ال".
- المستقبل: "السيارة المستخدمة في تفجير الطيونة نوع مرسيدس من طراز 180 موديل 1961".
- ام تي في : "الانتحارية أرادت تجاوز الحاجز ولكن عندما اشتبه بها العناصر قامت بتفجير نفسها".
- النهار: "الانتحاري تحدث معهما بلهجة سورية وبدا عليه الارتباك الواضح متذرعاً بأن عطلاً طرأ على السيارة. الشابان أسرعا إلى الحاجز لإعلام عناصر الجيش بالأمر وهدداه بذلك، وما إن شاهدهما يقتربان من الحاجز حتى فجّر نفسه".
في التعامل مع الموت الطازج
تشاهد لمى مباراة البرازيل مع كاميرون هي وأصدقاؤها في أحد المقاهي. لمى تشجع البرازيل، في حين يشجع أصدقاؤها الكاميرون. أيادي الجميع تتحرك بشكل انفعالي على مجريات المباراة. المقهى مكتظ بالمشاهدين وأعلام المونديال. يحدث شيء ما يقطع هذه الضوضاء. ينقل صاحب المقهى القناة إلى إحدى القنوات الإخبارية، "تفجير في الطيونة". لمى ومَن في المقهى يستنفرون، يعلّقون على خبر الانفجار، يتصلون بالأقارب والأصدقاء للتأكد من سلامتهم. المتواجدون في المقهى يتابعون ويعلّقون على وسائل التواصل الاجتماعية. بعد 15 دقيقة، يعيد صاحب المقهى القناة التي تنقل المباراة، يجلس الجميع، ويتابعون المباراة. تدخل البرازيل هدفاً آخر. أصوات التصفيق تعلو وكذلك المناوشات بين مشجعي الفريقين.
لمى وماكينة الحماية
اعتادت لمى كغيرها في لبنان أن تشهد تفجيرات كثيرة، قريبة وبعيدة عنها، قتل خلالها كثير من المدنيين. لكن الموت لم يقترب من لمى أو أقربائها وأصدقائها بشكل مباشر.
"الموت بهذا الشكل، لم يعد مفاجئاً أو مخيفاً، لكن استمرار حدوثه يجعلنا نشعر بالحزن واليأس، وبما أننا غير قادرين على إيقافه، علينا أن نحمي أنفسنا من آثاره ومع الوقت (بتشتغل ماكينة حماية النفس لوحدا) في مثل هذه المواقف بشكل لاإرادي، اما في ما يتعلق بالقلق فإنه يتوقف فور تأكدك من سلامة من تعرفهم". تقول لمى. وتكمل "وجودي في المقهى مع الأصدقاء جعل المدة الزمنية للقلق والاستنفار بخبر التفجير، قصيرة، والمباراة كانت إنقاذاً، لكن هذا لا يلغي شعوري بالحزن واليأس (وإنو فقعت معي). في النهاية ما فينا نعمل شي غير نعيش أو نحاول على الأقل". أضافت "صديقي مؤيد، ما قدر يكفي المباراة، حتى إنو عصّب منّا كيف قادرين نكفي والوضع هيك، ومشي".
إنقسام الأنا
"بعتقد إنو نحنا قررنا نفكر إنو تعودنا، ومنحاول نتصرف على هيدا الأساس، بس الحقيقة انو ما تعودنا، كلو موجود جوّاتنا، نحنا منخزّن كل هالأحداث اللي بشكل أو بآخر بتعطبنا، وبتأثر على كل شي منعملو بحياتنا، حتى لو ما كنا منتبهين إنو هي السبب"، يقول مؤيد، ويكمل "ما قدرت كفّي المباراة، حسيت إني مني إنساني، اذا تجاهلت هالشي، بعدين نمت، وتاني نهار أنا ورايح على الشغل كان في جزء مني عم يتجاهل شو صار قبل بيوم أو عم بحاول، ما بعرف".
في هذه الحالة هل يمكننا القول إن التعرض بشكل متكرر لمشاهدة الموت الجماعي من خلال التفجيرات على سبيل المثال، جعلت من ردة الفعل تجاه حدوثها مجدداً، أمراً اعتيادياً وناسفاً لحالة الصدمة؟ هل غريزة البقاء أم إنكار فكرة الموت أم هو الاحساس بعدم القدرة على تغيير الواقع في الحاضر والمستقبل ما أدى إلى انقسام الأنا في العملية الدفاعية؟.
الانسان يشعر أنه اعتاد على فكرة الموت، وفي الوقت ذاته الانسان نفسه لا يعتاد على فكرة الموت.
ضحى حسن
NOW
الساعة 11:35 ليلاً الطيونة – بيروت
شخص ما لا نعرف إذا كان ذكراً أو أنثى يقود أو تقود سيارة مرسيدس بيضاء اللون أو حمراء اللون، ي/تجلس خلف مقود السيارة. في الخارج ضجيج وصرخات متقطعة.
شاشة التلفزيون والمشاهدون
ملعب أخضر، جمهور غفير، لاعبون وحكام، الكرة في الملعب يتم تقاذفها بسرعة، القدم تضرب، القدم ترفع، والقدم تسدد الهدف، البرازيل تدخل هدفاً، المشاهدون في هذه اللحظة قفزوا، صرخوا، وصفقوا، تزامن هذا مع المفرقعات المرافقة للـ "غول" (هؤلاء هم مشجعو البرازيل)، بينما مشجعو الفريق الثاني صمتوا، تذمروا، غضبوا، وتململوا.
الساعة 11:40 ليلاً الطيونة
المخلوق ذاته خلف مقود السيارة البيضاء أو الحمراء. ما زلنا لا نعرف إذا كان ذكراً أم أنثى، ي/تقف بالقرب من أحد المقاهي. .
شاشة التلفاز والمشاهدون
الكرة الموجودة في الملعب ما زالت تتدحرج بين الأقدام، الجمهور في الشاشة يهتف ويشجع، المشاهدون يفعلون المثل.
المُشاهد يدخل الشاشة
11:44 ليلاً
المشاهدون في المقاهي والمنازل يتابعون مباراة البرازيل والكاميرون التي تترافق مع أصوات المفرقعات والرصاص من مشجعي الفريق البرازيلي في بيروت، بعد لحظات دوى صوت قوي هزّ المدينة، وهنا تغيرت المواقع. مشاهدو المباراة أصبحوا هم الحدث، وانتقلو إلى داخل الشاشة.
لحظة وقوع الحدث وتداعياته في الـ 30 دقيقة الأولى
باتَ قاطنو المدينة جزءاً من المشهد الآن، معظمهم تأثر بالحدث، جسدياً ونفسياً، إذ سبّب التفجير أضراراً جسدية لمن كان بقربه، ونفسية لكل من سمع صوته. شعر بالاهتزاز الذي سببه أو سمع الخبر، وتابع ما نقلته وسائل الاعلام، (حالة القلق والرعب والخوف والهلع على نفسه أو على الآخر).
إذا افترضنا أن الجمهور الذي كان يتابع المباراة أو جزءاً كبيراً منه انتقل من حالة المُتابِع إلى المُتابَع من قبل المشاهدين في البلدان الأخرى عبر شاشات التلفزيون.
الإعلام المشاهِد
يعلّق المشاهدون عادةً أثناء متابعتهم المباراة بجمل سريعة متحمسة وانفعالية، مبنية على تشجيعهم لفريق محدد،على سبيل المثال "الفريق البرازيلي أكيد رح يفوز على كاميرون"، "لو انتبه الحكم كان هاد فاول"، "لو هجم الفريق الكاميروني من جهة اليمين كان دخل غول"،"لو ما ضرب اللاعب الطابة برجلو الشمال ما كانت طلعت برّات الملعب".
الإعلام اللبناني أخذ دور المشاهِد في نقله للتفجير، إذ تعامل مع النقل والتعليق على تفاصيل ووقائع الحدث كما لو كان يتابع مباراة ما.
- قناة المستقبل: "معلومات عن سقوط 3 شهداء وأكثر من 20 جريحاً"
- قناة ال بي سي: "3 شهداء، و15 جريحاً في المحصلة الأولى لانفجار الطيونة".
- المستقبل "الصليب الأحمر اللبناني: الحصيلة 15 جريحاً إصابة معظهم طفيفة".
- ام تي في: "حتى الساعة تأكد سقوط شهيد و4 جرحى والعدد مرجح بقوة للارتفاع".
-ال بي سي: "لا شهداء في الانفجار الذي حصل في منطقة الطيونة".
- قناة الجديد: "الانفجار وقع في سيارة مرسيدس من طراز إم ال".
- المستقبل: "السيارة المستخدمة في تفجير الطيونة نوع مرسيدس من طراز 180 موديل 1961".
- ام تي في : "الانتحارية أرادت تجاوز الحاجز ولكن عندما اشتبه بها العناصر قامت بتفجير نفسها".
- النهار: "الانتحاري تحدث معهما بلهجة سورية وبدا عليه الارتباك الواضح متذرعاً بأن عطلاً طرأ على السيارة. الشابان أسرعا إلى الحاجز لإعلام عناصر الجيش بالأمر وهدداه بذلك، وما إن شاهدهما يقتربان من الحاجز حتى فجّر نفسه".
في التعامل مع الموت الطازج
تشاهد لمى مباراة البرازيل مع كاميرون هي وأصدقاؤها في أحد المقاهي. لمى تشجع البرازيل، في حين يشجع أصدقاؤها الكاميرون. أيادي الجميع تتحرك بشكل انفعالي على مجريات المباراة. المقهى مكتظ بالمشاهدين وأعلام المونديال. يحدث شيء ما يقطع هذه الضوضاء. ينقل صاحب المقهى القناة إلى إحدى القنوات الإخبارية، "تفجير في الطيونة". لمى ومَن في المقهى يستنفرون، يعلّقون على خبر الانفجار، يتصلون بالأقارب والأصدقاء للتأكد من سلامتهم. المتواجدون في المقهى يتابعون ويعلّقون على وسائل التواصل الاجتماعية. بعد 15 دقيقة، يعيد صاحب المقهى القناة التي تنقل المباراة، يجلس الجميع، ويتابعون المباراة. تدخل البرازيل هدفاً آخر. أصوات التصفيق تعلو وكذلك المناوشات بين مشجعي الفريقين.
لمى وماكينة الحماية
اعتادت لمى كغيرها في لبنان أن تشهد تفجيرات كثيرة، قريبة وبعيدة عنها، قتل خلالها كثير من المدنيين. لكن الموت لم يقترب من لمى أو أقربائها وأصدقائها بشكل مباشر.
"الموت بهذا الشكل، لم يعد مفاجئاً أو مخيفاً، لكن استمرار حدوثه يجعلنا نشعر بالحزن واليأس، وبما أننا غير قادرين على إيقافه، علينا أن نحمي أنفسنا من آثاره ومع الوقت (بتشتغل ماكينة حماية النفس لوحدا) في مثل هذه المواقف بشكل لاإرادي، اما في ما يتعلق بالقلق فإنه يتوقف فور تأكدك من سلامة من تعرفهم". تقول لمى. وتكمل "وجودي في المقهى مع الأصدقاء جعل المدة الزمنية للقلق والاستنفار بخبر التفجير، قصيرة، والمباراة كانت إنقاذاً، لكن هذا لا يلغي شعوري بالحزن واليأس (وإنو فقعت معي). في النهاية ما فينا نعمل شي غير نعيش أو نحاول على الأقل". أضافت "صديقي مؤيد، ما قدر يكفي المباراة، حتى إنو عصّب منّا كيف قادرين نكفي والوضع هيك، ومشي".
إنقسام الأنا
"بعتقد إنو نحنا قررنا نفكر إنو تعودنا، ومنحاول نتصرف على هيدا الأساس، بس الحقيقة انو ما تعودنا، كلو موجود جوّاتنا، نحنا منخزّن كل هالأحداث اللي بشكل أو بآخر بتعطبنا، وبتأثر على كل شي منعملو بحياتنا، حتى لو ما كنا منتبهين إنو هي السبب"، يقول مؤيد، ويكمل "ما قدرت كفّي المباراة، حسيت إني مني إنساني، اذا تجاهلت هالشي، بعدين نمت، وتاني نهار أنا ورايح على الشغل كان في جزء مني عم يتجاهل شو صار قبل بيوم أو عم بحاول، ما بعرف".
في هذه الحالة هل يمكننا القول إن التعرض بشكل متكرر لمشاهدة الموت الجماعي من خلال التفجيرات على سبيل المثال، جعلت من ردة الفعل تجاه حدوثها مجدداً، أمراً اعتيادياً وناسفاً لحالة الصدمة؟ هل غريزة البقاء أم إنكار فكرة الموت أم هو الاحساس بعدم القدرة على تغيير الواقع في الحاضر والمستقبل ما أدى إلى انقسام الأنا في العملية الدفاعية؟.
الانسان يشعر أنه اعتاد على فكرة الموت، وفي الوقت ذاته الانسان نفسه لا يعتاد على فكرة الموت.
ضحى حسن
NOW