رزان زيتونة، الناشطة الحقوقية والكاتبة السورية، والمنسّقة العامة لمركز توثيق الانتهاكات في سوريا، الذي تسعى لأن يكون قاعدة بيانات لانتهاكات نظام بشار الأسد لحقوق الانسان. مع بداية الثورة اضطرت زيتونة للتخفّي بسبب نشاطها الإعلامي، ولا تزال حتى الساعة تواكب عن كثب كل ما يجري على الأرض في سوريا.
زيتونة، وهي عضو مؤسس في لجان التنسيق المحلية في سوريا، حازت جائزة آنا بوليتكوفسكايا للمدافعات عن حقوق الانسان، وعلى جائزة ساخاروف الممنوحة من البرلمان الأوروبي بالاشتراك مع رسام الكاريكاتير السوري علي فرزات، تعرّضت في الآونة الأخيرة لتهديدات وحملات تخوين عديدة، لم يكن مصدرها النظام كما اعتادت، بل هذه المرة من طرف آخر لم يتقبّل فكرة ما تقوم به.
موقع "NOW" أجرى مع رزان زيتونة، الزميلة في الموقع أيضاً، هذا الحديث:
س: ما هو مضمون التهديدات التي تعرّضت لها في الآونة الأخيرة؟
ج: نحن في ثورة. هناك فوضى وفراغ أمني. في مناطق أخرى تعرّض نشطاء لما هو أكثر بكثير من التهديد وحملات التخوين. المميز في منطقة الغوطة الشرقية أنه لا يزال هناك حراك مدني فاعل، وأنها من أقلّ المناطق المحررة التي تشهد حوادث الفوضى والفراغ الأمني، بسبب تماسك كتائبها ولأن الأغلبية الساحقة من المقاتلين هم من أهل المدن والبلدات المحررة نفسها، فضلا عن قلة وجود الغرباء (داعش وأمثالهم) حتى اللحظة.
رغم جميع الأخطاء تبقى الغوطة الشرقية أجمل مثال للثورة السورية بوجهها الناصع. لذلك قلنا ونقول لا تتركوا الغوطة لمصيرها، فهي بحاجة لتقوية عناصر القوة فيها لتكون قادرة على مواجهة السلبيات التي واجهت بقية المناطق المحررة. بكل الأحوال هناك دائماً من لم يستفيدوا من درس الثورة، ويعتقدون أن بإمكانهم استنساخ تجربة اللون الواحد والصوت والواحد. هذا مستحيل، الزمن لن يعود إلى الوراء. وهؤلاء سيسقطون كما سيسقط النظام. تهديد النشطاء واعتقالهم واغتيالهم بالآلاف من قبل النظام لم يؤدِّ إلى وقف أو تراجع الثورة. فلماذا يعتقد البعض أنه بمثل هذه الممارسات قد يفرض رؤيته وخطّه ولونه؟!
س: هل تشكل حماية المجتمع الأهلي حصانة كافية لك من هذه التهديدات؟
ج: موضوع الحماية في أجواء الثورة بالنسبة لمدني لا سند عسكرياً له وهو ليس بالأمر الواقعي. لكن المهم التضامن الواسع والمدهش من قبل الفعاليات المدنية والأهالي على الأرض. أشعر بالقوة "الرمزية" التي قد لا تستطيع الوقوف في وجه تهديدات جسدية، لكنها قادرة على الوقوف في وجه جميع الاحباطات، وقادرة على مدِّنا جميعاً بطاقة للاستمرار حتى آخر لحظة. المدني للمدني سند. وقوة التضامن بين الفعاليات المدنية وبينهم وبين الأهالي ضمانة أساسية لآلية إصلاح من داخل الثورة ضد السلبيات والأخطاء الطارئة. وهو بالدرجة الأولى قوة وضمانة لتلك الفعاليات نفسها.
حتى على الصعيد العسكري. كان هناك تضامن من ألوية وكتائب من أقصى الغوطة إلى أقصاها. على الصعيد الشخصي، أشعر بالامتنان الشديد، لجميع الأصدقاء الذي بادروا إلى حملة التضامن في الداخل وفي الخارج. أعجز عن شكرهم كفاية. كما الشكر لجميع المجالس المحلية والمكاتب والنشطاء الذين انخرطوا بها. أنا مدينة لهم بالأمل الذي منحوني إياه وبالمحبة التي أحاطوني بها.
س: هل هناك فصائل متشددة في منطقة الغوطة الشرقية على غرار "داعش" و"النصرة" وسواهما؟
ج: هناك تواجد لجبهة النصرة، ومؤخراً بدأ ظهور خجول لداعش. لم أسمع حتى اللحظة عن ردود فعل من الكتائب تجاه تواجد داعش في منطقة الغوطة الشرقية. لا أعلم كيف سيتم التعامل مع الأمر خاصة في ظل التطورات الأخيرة في أعزاز وغيرها. أعتقد أن الأهالي يعوّلون على جيشهم الحر للتعامل مع الأمر باكراً وقبل فوات الأوان.
ليس من السهل على الكتائب أن تترك جبهاتها وأن تفتح معارك جانبية. هذا مفهوم تماماً. خاصة أن معظمها يعاني من قلة الدعم. وأخص بالذكر تلك الألوية والكتائب التي لا تحمل أجندات باستثناء إسقاط النظام. معظمها لا يتمكن حتى من دفع رواتب لعناصره. من يخشى من الفوضى ومن إرهاب "داعش" عليه أن يفعل شيئا لمساعدة هؤلاء للاستمرار، بدل الندب والإدانة ورثاء الثورة.
س: ما نوع العمل الذي تقومين به في هذه الفترة في الغوطة؟
ج: أول ما أقوم به شخصياً هو أنني "أعيش" في الغوطة الشرقية، كمواطنة في جزء محرر من بلدي. أما على صعيد العمل هناك شقّان. الأول في مركز توثيق الانتهاكات في سوريا، عبر إعداد التقارير الميدانية حول الأوضاع في المنطقة كما فعلنا بالنسبة لتقرير ضربة الكيماوي وسواها. الجانب الآخر هو دعم الجانب الخدمي في المنطقة لإعانة السكان على مواجهة الحصار الذي يفرضه النظام عليهم لتركيعهم.
الغوطة تذوي. الثروة النباتية والحيوانية في طريقها إلى كارثة. الجوع والأمراض تتهدد الآلاف. هناك بعض الأمور قد تخفف إلى حد ما من آثار الحصار وتعين الأهالي على مقاومته وتزيح عبئا عن المقاتلين على الجبهات. بقية المناطق المحررة تُركت حتى استفحلت فيها المشاكل قبل أن تبدأ محاولات الإحاطة بها، ما أدى إلى عجز شبه كامل.
اليوم الفرصة مؤاتية في الغوطة، بوابة دمشق، للعمل على الإحاطة قدر الإمكان بتلك الامور كي تبقى المنطقة قادرة على مواجهة الأسوأ. على الائتلاف الوطني أن يتوجه بمشروع متكامل في منطقة الغوطة.. على الجهات المانحة أن تكرس جزءا ملحوظا من نشاطها لمساعدة هذه المنطقة على الصمود. إيجاد حلول للقمامة على سبيل المثال، فمهما كانت مكلفة ماديا، ستكون أقل كلفة من معالجة أوبئة وأمراض وخسارة في الأرواح. مساعدة المجالس المحلية على إدارة شؤون مناطقها سيكون أقل كلفة بكثير من معالجة الفوضى التي ستنجم عن غياب فعالية تلك المجالس. وقيسي على ذلك جميع الأمور الأخرى.
س: هل تشعرين الآن بالخوف؟ بالندم؟ هل تفكرين بالرحيل؟
ج: لم أشعر بالخوف، لكنني أحسست في البداية بكثير من المرارة! فكرت لوهلة بالرحيل إلى مكان يعزلني ولا يمنعني من استمرار العمل في ما بدأت به. لكنها كانت لحظة إحباط لا أكثر.. أنا لست في "مهمة" هنا.. كما قلت، أنا أعيش! وعندما لن يكون هناك ما أفعله سأغلق باب بيتي علي، بيتي في المنطقة المحررة من بلدي.. فضلا عن أنني ارتبطت عاطفيا بالعشرات من الأصدقاء الذين أعجز عن إخبارهم كم أحبهم، وكم أحب الثورة بهم، وكم أرى سوريا في عيونهم.. مدنيون ونشطاء وثوار على الجبهات.
لا يفكر أحد أن يصطاد في المياه العكرة ويحاول إدانة ثورتنا لبعض ما يحصل فيها - ومنه ما هو كارثي فعلاً كما يحصل في الرقة وأعزاز - سنتان ونصف عمر ثورة يتيمة هي معجزة في استمرارها وصمودها وجميع تفاصيلها وأبطالها ممن استشهدوا أو لا يزالون قيد الاعتقال أو على الجبهات أو في أعمالهم المدنية والإغاثية والخدمية.
ضحى حسن
NOW
زيتونة، وهي عضو مؤسس في لجان التنسيق المحلية في سوريا، حازت جائزة آنا بوليتكوفسكايا للمدافعات عن حقوق الانسان، وعلى جائزة ساخاروف الممنوحة من البرلمان الأوروبي بالاشتراك مع رسام الكاريكاتير السوري علي فرزات، تعرّضت في الآونة الأخيرة لتهديدات وحملات تخوين عديدة، لم يكن مصدرها النظام كما اعتادت، بل هذه المرة من طرف آخر لم يتقبّل فكرة ما تقوم به.
موقع "NOW" أجرى مع رزان زيتونة، الزميلة في الموقع أيضاً، هذا الحديث:
س: ما هو مضمون التهديدات التي تعرّضت لها في الآونة الأخيرة؟
ج: نحن في ثورة. هناك فوضى وفراغ أمني. في مناطق أخرى تعرّض نشطاء لما هو أكثر بكثير من التهديد وحملات التخوين. المميز في منطقة الغوطة الشرقية أنه لا يزال هناك حراك مدني فاعل، وأنها من أقلّ المناطق المحررة التي تشهد حوادث الفوضى والفراغ الأمني، بسبب تماسك كتائبها ولأن الأغلبية الساحقة من المقاتلين هم من أهل المدن والبلدات المحررة نفسها، فضلا عن قلة وجود الغرباء (داعش وأمثالهم) حتى اللحظة.
رغم جميع الأخطاء تبقى الغوطة الشرقية أجمل مثال للثورة السورية بوجهها الناصع. لذلك قلنا ونقول لا تتركوا الغوطة لمصيرها، فهي بحاجة لتقوية عناصر القوة فيها لتكون قادرة على مواجهة السلبيات التي واجهت بقية المناطق المحررة. بكل الأحوال هناك دائماً من لم يستفيدوا من درس الثورة، ويعتقدون أن بإمكانهم استنساخ تجربة اللون الواحد والصوت والواحد. هذا مستحيل، الزمن لن يعود إلى الوراء. وهؤلاء سيسقطون كما سيسقط النظام. تهديد النشطاء واعتقالهم واغتيالهم بالآلاف من قبل النظام لم يؤدِّ إلى وقف أو تراجع الثورة. فلماذا يعتقد البعض أنه بمثل هذه الممارسات قد يفرض رؤيته وخطّه ولونه؟!
س: هل تشكل حماية المجتمع الأهلي حصانة كافية لك من هذه التهديدات؟
ج: موضوع الحماية في أجواء الثورة بالنسبة لمدني لا سند عسكرياً له وهو ليس بالأمر الواقعي. لكن المهم التضامن الواسع والمدهش من قبل الفعاليات المدنية والأهالي على الأرض. أشعر بالقوة "الرمزية" التي قد لا تستطيع الوقوف في وجه تهديدات جسدية، لكنها قادرة على الوقوف في وجه جميع الاحباطات، وقادرة على مدِّنا جميعاً بطاقة للاستمرار حتى آخر لحظة. المدني للمدني سند. وقوة التضامن بين الفعاليات المدنية وبينهم وبين الأهالي ضمانة أساسية لآلية إصلاح من داخل الثورة ضد السلبيات والأخطاء الطارئة. وهو بالدرجة الأولى قوة وضمانة لتلك الفعاليات نفسها.
حتى على الصعيد العسكري. كان هناك تضامن من ألوية وكتائب من أقصى الغوطة إلى أقصاها. على الصعيد الشخصي، أشعر بالامتنان الشديد، لجميع الأصدقاء الذي بادروا إلى حملة التضامن في الداخل وفي الخارج. أعجز عن شكرهم كفاية. كما الشكر لجميع المجالس المحلية والمكاتب والنشطاء الذين انخرطوا بها. أنا مدينة لهم بالأمل الذي منحوني إياه وبالمحبة التي أحاطوني بها.
س: هل هناك فصائل متشددة في منطقة الغوطة الشرقية على غرار "داعش" و"النصرة" وسواهما؟
ج: هناك تواجد لجبهة النصرة، ومؤخراً بدأ ظهور خجول لداعش. لم أسمع حتى اللحظة عن ردود فعل من الكتائب تجاه تواجد داعش في منطقة الغوطة الشرقية. لا أعلم كيف سيتم التعامل مع الأمر خاصة في ظل التطورات الأخيرة في أعزاز وغيرها. أعتقد أن الأهالي يعوّلون على جيشهم الحر للتعامل مع الأمر باكراً وقبل فوات الأوان.
ليس من السهل على الكتائب أن تترك جبهاتها وأن تفتح معارك جانبية. هذا مفهوم تماماً. خاصة أن معظمها يعاني من قلة الدعم. وأخص بالذكر تلك الألوية والكتائب التي لا تحمل أجندات باستثناء إسقاط النظام. معظمها لا يتمكن حتى من دفع رواتب لعناصره. من يخشى من الفوضى ومن إرهاب "داعش" عليه أن يفعل شيئا لمساعدة هؤلاء للاستمرار، بدل الندب والإدانة ورثاء الثورة.
س: ما نوع العمل الذي تقومين به في هذه الفترة في الغوطة؟
ج: أول ما أقوم به شخصياً هو أنني "أعيش" في الغوطة الشرقية، كمواطنة في جزء محرر من بلدي. أما على صعيد العمل هناك شقّان. الأول في مركز توثيق الانتهاكات في سوريا، عبر إعداد التقارير الميدانية حول الأوضاع في المنطقة كما فعلنا بالنسبة لتقرير ضربة الكيماوي وسواها. الجانب الآخر هو دعم الجانب الخدمي في المنطقة لإعانة السكان على مواجهة الحصار الذي يفرضه النظام عليهم لتركيعهم.
الغوطة تذوي. الثروة النباتية والحيوانية في طريقها إلى كارثة. الجوع والأمراض تتهدد الآلاف. هناك بعض الأمور قد تخفف إلى حد ما من آثار الحصار وتعين الأهالي على مقاومته وتزيح عبئا عن المقاتلين على الجبهات. بقية المناطق المحررة تُركت حتى استفحلت فيها المشاكل قبل أن تبدأ محاولات الإحاطة بها، ما أدى إلى عجز شبه كامل.
اليوم الفرصة مؤاتية في الغوطة، بوابة دمشق، للعمل على الإحاطة قدر الإمكان بتلك الامور كي تبقى المنطقة قادرة على مواجهة الأسوأ. على الائتلاف الوطني أن يتوجه بمشروع متكامل في منطقة الغوطة.. على الجهات المانحة أن تكرس جزءا ملحوظا من نشاطها لمساعدة هذه المنطقة على الصمود. إيجاد حلول للقمامة على سبيل المثال، فمهما كانت مكلفة ماديا، ستكون أقل كلفة من معالجة أوبئة وأمراض وخسارة في الأرواح. مساعدة المجالس المحلية على إدارة شؤون مناطقها سيكون أقل كلفة بكثير من معالجة الفوضى التي ستنجم عن غياب فعالية تلك المجالس. وقيسي على ذلك جميع الأمور الأخرى.
س: هل تشعرين الآن بالخوف؟ بالندم؟ هل تفكرين بالرحيل؟
ج: لم أشعر بالخوف، لكنني أحسست في البداية بكثير من المرارة! فكرت لوهلة بالرحيل إلى مكان يعزلني ولا يمنعني من استمرار العمل في ما بدأت به. لكنها كانت لحظة إحباط لا أكثر.. أنا لست في "مهمة" هنا.. كما قلت، أنا أعيش! وعندما لن يكون هناك ما أفعله سأغلق باب بيتي علي، بيتي في المنطقة المحررة من بلدي.. فضلا عن أنني ارتبطت عاطفيا بالعشرات من الأصدقاء الذين أعجز عن إخبارهم كم أحبهم، وكم أحب الثورة بهم، وكم أرى سوريا في عيونهم.. مدنيون ونشطاء وثوار على الجبهات.
لا يفكر أحد أن يصطاد في المياه العكرة ويحاول إدانة ثورتنا لبعض ما يحصل فيها - ومنه ما هو كارثي فعلاً كما يحصل في الرقة وأعزاز - سنتان ونصف عمر ثورة يتيمة هي معجزة في استمرارها وصمودها وجميع تفاصيلها وأبطالها ممن استشهدوا أو لا يزالون قيد الاعتقال أو على الجبهات أو في أعمالهم المدنية والإغاثية والخدمية.
ضحى حسن
NOW