بيروت - علمتُ منذ أيام أن الدولة الإسلامية في العراق والشام خطفت قائد "جبهة سيف الدولة" في حلب "أبو علي"، الرجل الذي كنتُ سجّلت مقابلة معه في تموز 2013 ولم أنشرها. أتذكّر انطباعي الأول حينها جيداً. حدّثني عن الموت باستهتار وشجاعة. شعرتُ يومها بمزيج من الإعجاب والمبالغة.صوته العالي وكلماته الواثقة تُشبه خطواته.
خبر اختطافه شكّل لحظةً غريبة، فـ"أبو علي" من أجسر المقاتلين. كان على يقين أن الدولة الإسلامية في العراق والشام وغيرها من التنظيمات المتطرفة لن تقف في وجه رجال "الجبهة"، لأنها تعلم كما قال إن ذلك سيهدّد تمركز الجيش السوري الحر الذي سيردّ على ذلك.
مساء أمس وصلني خبر يؤكد إعدام "أبو علي" من قبل داعش. لا تزال الأخبار تتضارب حول مصيره، لكنّ هذا لن يغيّر حقيقة مَن هو هذا الرجل وكيف بدأت قصته.
"خرجت مع 20 ألف متظاهر قبل رمضان 2012 بثلاثة أسابيع، كنتُ المسلّح الوحيد بينهم، قتل النظام27 من المتظاهرين السلميين في ذلك اليوم ما اضطرني إلى إطلاق الرصاصة الأولى في منطقة صلاح الدين وأصبت اثنين من قوات النظام". حمل القائد العسكري في سيف الدولة "أبو علي" السلاح قبل وصول الجيش الحر إلى مدينة حلب وذلك بعد خروجه في المظاهرات، ليشكّل إثر ذلك مجموعة صغيرة نفّذ معها عمليات اغتيال لضباط تابعين لجيش النظام.
تحدّث الرجل النحيل طويل القامة ذو الملامح القاسية، المضمّد من إصابات معركة خرج منها في الليلة السابقة: "لم أحمل السلاح رغبة في الانتقام ممّا فعله النظام مع عائلتي، بل لأننا شعب نحب الحرية، كنت على يقين من أن النظام لا يفهم لغة الحوار والتفاوض والنقاش وهو من بدأ بالقتل والاعتقالات والتعذيب".
في العام 1979، وجد أحمد صليبه ( أي "أبو علي") نفسه هو ومَن تبقّى من عائلته مُجبَرين على الانتقال إلى حلب، وترك مدينتهم الصليبه في اللاذقية، بعدما سجن النظام السوري والده ووالدته على خلفية انضمام ولديهما، شقيقي "أبو علي"، إلى تنظيم الإخوان المسلمين. يقول أبو علي: "خرجت والدتي بعد عام ووالدي بعد 6 أعوام، وأخي بعد 10 أعوام، أما أخي الثاني لم نسمع عنه أي شيء حتى الآن، حاولنا لسنوات ممارسة حياتنا بشكل طبيعي، لكن ما بدا طبيعياً في وقتها حمل خوفاً لم يتبدد حتى بداية الثورة".
منطقة سيف الدولة في حلب، تشبه الأمعاء المقلوبة إلى الخارج، حالها حال مناطق عديدة في حلب والتي تحولت إلى جبهات بين "الحر" والنظام. غرف النوم، غرف الجلوس، الحمامات، تمديدات الماء والكهرباء، الملابس وألعاب الأطفال الكتب والأوراق .. كل شيء فيها تراه دون أن تطأ قدماك جوف الأبنية، تشعر بأنّك تقتحم قصص سكانها وحياتهم اليومية عند مرورك إلى الشارع الآخر عبر غرفهم وأغراضهم الشخصية المتناثرة هنا وهناك بين ركام التفجيرات ومخلفات القنابل، بينما تستمع إلى رصاص القناصة يتردد في شوارع المدينة من الطرف الآخر.
صباح 28 تموز 2012، أعلن الجيش السوري الحر سيطرته على حي صلاح الدين في حلب بعد اشتباكات عنيفة مع قوات النظام، يقول أبو علي: "خضنا معركة "شارع 15" على أوتوستراد الحمدانية الذي حشد فيه النظام قواته، ومنها حررنا مناطق عدة وتقدّمنا أكثر وأكثر وأصبحنا أكبر وأقوى"، ويكمل: "لم يكن هناك ما يسمى بالكتائب أو جبهة النصرة أو أحرار الشام او داعش أو أبو الأيوب الأنصاري وغيرهم. بعد منتصف رمضان بدأت الكتائب الضخمة ومن ذكرتهم سابقاً بالقدوم مموّلين ومدعومين بالسلاح والعتاد".وأضاف: "نحن لا ننكر ما قامت به جبهة النصرة وأحرار الشام وغيرهما في المعارك، وعلى الرغم من اعتراضي على طريقة تفكيرهم وشكل الدولة الإسلامية التي يريدون، إلا أنني أرى أن هذا الأمر مؤجل لما بعد انتهاء الثورة".
يعتمد الجيش السوري الحر في جبهة سيف الدولة على الأسلحة المحلية الصنع والبدائية مثل "النقيفة"، والتي يقوم "أبو علي" بصنع بعض منها. "الذخيرة والسلاح الذي نملكه بدائي، إذ نقوم بتصنيع معظم الأسلحة من أدوات بسيطة، في حين تملك جبهة النصرة والدولة الإسلامية في الشام والعراق مستودعات ضخمة من الأسلحة والذخيرة تكفي لتحرير سوريا"، قال مشيراً إلى أن "هذه الفصائل تقوم بضرب الأرياف لسهولة السيطرة عليها إلى جانب الغنائم، فمن يحصل على الدبابات والسلاح والمال لن يرابط على الجبهات".
يروي "أبو علي" حادثة اصطدامه الأولى مع أحد عناصر "داعش": "أوقفنا على حاجز دار عزة رجل تونسي، اقترب من الشاب الذي معي في السيارة وسأله "أنتم جيش حر"، نقرت بأصابعي على الشباك وقلت له: بتروح بتضبّ غراضك وبتطلع على بلدك، هي بلدي مو بلدك. حينها صمت وأكملنا طريقنا"، مضيفاً: "أنا لا أقبل أن يتحكّموا بنا. نحن بالنسبة لهم كفَرة، أذكر عندما كنّا جميعنا في الجبهة بعد تحريرها، وبشكل مفاجئ رأيت أحرار الشام وبكري عمارة والمهاجرين وجبهة النصرة وغيرهم قد حملوا أمتعتهم ورحلوا وهم يقولون "الكفرة يقتلوا بعض"".
في مستودعٍ تحت منزله وضع "أبو علي" ممتلكات السكان التي تركوها خلفهم في صناديق كتب عليها أسماء العائلات في غرفة "الأمانات" يحرسها هو ومقاتلوه. يعلّق على ذلك "قمنا بجمع الممتلكات الخاصة بأهالي المنطقة الذين خرجوا من منازلهم من دون أن يحملوا معهم سوى أرواحهم جراء القصف العنيف من جيش النظام الذي دمر الأحياء السكنية بالمدفعية والطيران الحربي". يحمل أبو علي من أحد هذه الصناديق أساور وقلائد من ذهب وهو يقول: "هذه أمانة عندنا حتى يعود أصحابها، نحن هنا لنحمي البلد لا لنسرقه كما يقول البعض".
يعيش "أبو علي" في الجبهة مع زوجته وهي عضو في المجلس العسكري وأولاده الثلاثة: "أنا وزوجتي مازلنا نعيش علاقة حب بعد عشرين عاماً، لن أتخلى عنها". يمد يده باتجاه النافذة المهشّمة ويقول بشكل اعتراضي: "انظري إلى تلك البناية أمامنا، هناك يتمركز العدو"، ويعود ليكمل: "وقفت زوجتي إلى جانبي وشاركتني الكثير من العمليات التي قمت بها، لذلك سنبقى معاً". ويتابع: "على سورية ان تكون البلد الذي أستطيع أن أفعل فيه ما أشاء، كما لو أردت أن أذهب إلى البحر وأنا أرتدي "الشورت" وزوجتي بـ"البكيني"، هذا بلد متعدد الطوائف لا حواجز بيننا، في حال ذهبتِ إلى منقطتنا في حارة الأميركان في الصليبة باللاذقية أتحدّاكِ أن تميّزي بين مسيحي ومسلم، هذا هو الشعب السوري".
ضحى حسن
NOW
خبر اختطافه شكّل لحظةً غريبة، فـ"أبو علي" من أجسر المقاتلين. كان على يقين أن الدولة الإسلامية في العراق والشام وغيرها من التنظيمات المتطرفة لن تقف في وجه رجال "الجبهة"، لأنها تعلم كما قال إن ذلك سيهدّد تمركز الجيش السوري الحر الذي سيردّ على ذلك.
مساء أمس وصلني خبر يؤكد إعدام "أبو علي" من قبل داعش. لا تزال الأخبار تتضارب حول مصيره، لكنّ هذا لن يغيّر حقيقة مَن هو هذا الرجل وكيف بدأت قصته.
"خرجت مع 20 ألف متظاهر قبل رمضان 2012 بثلاثة أسابيع، كنتُ المسلّح الوحيد بينهم، قتل النظام27 من المتظاهرين السلميين في ذلك اليوم ما اضطرني إلى إطلاق الرصاصة الأولى في منطقة صلاح الدين وأصبت اثنين من قوات النظام". حمل القائد العسكري في سيف الدولة "أبو علي" السلاح قبل وصول الجيش الحر إلى مدينة حلب وذلك بعد خروجه في المظاهرات، ليشكّل إثر ذلك مجموعة صغيرة نفّذ معها عمليات اغتيال لضباط تابعين لجيش النظام.
تحدّث الرجل النحيل طويل القامة ذو الملامح القاسية، المضمّد من إصابات معركة خرج منها في الليلة السابقة: "لم أحمل السلاح رغبة في الانتقام ممّا فعله النظام مع عائلتي، بل لأننا شعب نحب الحرية، كنت على يقين من أن النظام لا يفهم لغة الحوار والتفاوض والنقاش وهو من بدأ بالقتل والاعتقالات والتعذيب".
في العام 1979، وجد أحمد صليبه ( أي "أبو علي") نفسه هو ومَن تبقّى من عائلته مُجبَرين على الانتقال إلى حلب، وترك مدينتهم الصليبه في اللاذقية، بعدما سجن النظام السوري والده ووالدته على خلفية انضمام ولديهما، شقيقي "أبو علي"، إلى تنظيم الإخوان المسلمين. يقول أبو علي: "خرجت والدتي بعد عام ووالدي بعد 6 أعوام، وأخي بعد 10 أعوام، أما أخي الثاني لم نسمع عنه أي شيء حتى الآن، حاولنا لسنوات ممارسة حياتنا بشكل طبيعي، لكن ما بدا طبيعياً في وقتها حمل خوفاً لم يتبدد حتى بداية الثورة".
منطقة سيف الدولة في حلب، تشبه الأمعاء المقلوبة إلى الخارج، حالها حال مناطق عديدة في حلب والتي تحولت إلى جبهات بين "الحر" والنظام. غرف النوم، غرف الجلوس، الحمامات، تمديدات الماء والكهرباء، الملابس وألعاب الأطفال الكتب والأوراق .. كل شيء فيها تراه دون أن تطأ قدماك جوف الأبنية، تشعر بأنّك تقتحم قصص سكانها وحياتهم اليومية عند مرورك إلى الشارع الآخر عبر غرفهم وأغراضهم الشخصية المتناثرة هنا وهناك بين ركام التفجيرات ومخلفات القنابل، بينما تستمع إلى رصاص القناصة يتردد في شوارع المدينة من الطرف الآخر.
صباح 28 تموز 2012، أعلن الجيش السوري الحر سيطرته على حي صلاح الدين في حلب بعد اشتباكات عنيفة مع قوات النظام، يقول أبو علي: "خضنا معركة "شارع 15" على أوتوستراد الحمدانية الذي حشد فيه النظام قواته، ومنها حررنا مناطق عدة وتقدّمنا أكثر وأكثر وأصبحنا أكبر وأقوى"، ويكمل: "لم يكن هناك ما يسمى بالكتائب أو جبهة النصرة أو أحرار الشام او داعش أو أبو الأيوب الأنصاري وغيرهم. بعد منتصف رمضان بدأت الكتائب الضخمة ومن ذكرتهم سابقاً بالقدوم مموّلين ومدعومين بالسلاح والعتاد".وأضاف: "نحن لا ننكر ما قامت به جبهة النصرة وأحرار الشام وغيرهما في المعارك، وعلى الرغم من اعتراضي على طريقة تفكيرهم وشكل الدولة الإسلامية التي يريدون، إلا أنني أرى أن هذا الأمر مؤجل لما بعد انتهاء الثورة".
يعتمد الجيش السوري الحر في جبهة سيف الدولة على الأسلحة المحلية الصنع والبدائية مثل "النقيفة"، والتي يقوم "أبو علي" بصنع بعض منها. "الذخيرة والسلاح الذي نملكه بدائي، إذ نقوم بتصنيع معظم الأسلحة من أدوات بسيطة، في حين تملك جبهة النصرة والدولة الإسلامية في الشام والعراق مستودعات ضخمة من الأسلحة والذخيرة تكفي لتحرير سوريا"، قال مشيراً إلى أن "هذه الفصائل تقوم بضرب الأرياف لسهولة السيطرة عليها إلى جانب الغنائم، فمن يحصل على الدبابات والسلاح والمال لن يرابط على الجبهات".
يروي "أبو علي" حادثة اصطدامه الأولى مع أحد عناصر "داعش": "أوقفنا على حاجز دار عزة رجل تونسي، اقترب من الشاب الذي معي في السيارة وسأله "أنتم جيش حر"، نقرت بأصابعي على الشباك وقلت له: بتروح بتضبّ غراضك وبتطلع على بلدك، هي بلدي مو بلدك. حينها صمت وأكملنا طريقنا"، مضيفاً: "أنا لا أقبل أن يتحكّموا بنا. نحن بالنسبة لهم كفَرة، أذكر عندما كنّا جميعنا في الجبهة بعد تحريرها، وبشكل مفاجئ رأيت أحرار الشام وبكري عمارة والمهاجرين وجبهة النصرة وغيرهم قد حملوا أمتعتهم ورحلوا وهم يقولون "الكفرة يقتلوا بعض"".
في مستودعٍ تحت منزله وضع "أبو علي" ممتلكات السكان التي تركوها خلفهم في صناديق كتب عليها أسماء العائلات في غرفة "الأمانات" يحرسها هو ومقاتلوه. يعلّق على ذلك "قمنا بجمع الممتلكات الخاصة بأهالي المنطقة الذين خرجوا من منازلهم من دون أن يحملوا معهم سوى أرواحهم جراء القصف العنيف من جيش النظام الذي دمر الأحياء السكنية بالمدفعية والطيران الحربي". يحمل أبو علي من أحد هذه الصناديق أساور وقلائد من ذهب وهو يقول: "هذه أمانة عندنا حتى يعود أصحابها، نحن هنا لنحمي البلد لا لنسرقه كما يقول البعض".
يعيش "أبو علي" في الجبهة مع زوجته وهي عضو في المجلس العسكري وأولاده الثلاثة: "أنا وزوجتي مازلنا نعيش علاقة حب بعد عشرين عاماً، لن أتخلى عنها". يمد يده باتجاه النافذة المهشّمة ويقول بشكل اعتراضي: "انظري إلى تلك البناية أمامنا، هناك يتمركز العدو"، ويعود ليكمل: "وقفت زوجتي إلى جانبي وشاركتني الكثير من العمليات التي قمت بها، لذلك سنبقى معاً". ويتابع: "على سورية ان تكون البلد الذي أستطيع أن أفعل فيه ما أشاء، كما لو أردت أن أذهب إلى البحر وأنا أرتدي "الشورت" وزوجتي بـ"البكيني"، هذا بلد متعدد الطوائف لا حواجز بيننا، في حال ذهبتِ إلى منقطتنا في حارة الأميركان في الصليبة باللاذقية أتحدّاكِ أن تميّزي بين مسيحي ومسلم، هذا هو الشعب السوري".
ضحى حسن
NOW