هبت ريح عاتية، رافقتها أمطار وثلوح غزيرة، شوارع المدينة خالية، فيما التزم السكان منازلهم. هذا جزء صغير من الصورة، لنتوقف قليلاً.
في العادة نسمع في نشرات الأخبار المتشابهة شيئاً كهذا: عاصفة غير مسبوقة تضرب المنطقة، تتساقط الثلوج على ارتفاع 600 متر، أدّت العاصفة الى إحداث أضرار كبيرة في القطاع الزراعي، تكسرت أغصان العديد من الأشجار الحرجية والمثمرة، أُتلفت عدد من البيوت البلاستيكية، اقتلعت الأشجار وجرفت الترب… لم تكن «نشرة عابرة» لأحوال طقس غريب، بل كانت نشرة أحوال لبنان، بطقسه ناسه، بلاجئيه وأهله.
تمّهل قليلا والتفت نحو زاوية أخرى في الصورة، ستجد مشهدا آخر مغاير لشوارع المدينة المرتجفة الخاوية على عروشها: هناك ستجد من الصورة نفسها خياماً أكثر ارتجافاً وأكثر استسلاماً لطبائع الطقس العنيد، تهاوت الأوتاد وسويت الشوادر بناسها الذين تأويهم بالأرض.
في ركن آخر من المشهد، أعلنت وكالة الأنباء الرسمية أن مياه الأمطار والسيول دخلت خيام النازحين السوريين في بلدتي الشيخ عباس والسماقية في عكار شمال لبنان، و«أتت المياه على محتويات الخيم، وقد عانى النازحون طوال الليل من البرد القارس».
للصورة مكان آخر أكثر أمناً للنفوس الضعيفة: سطح يقبع مقابل المنازل التي يقطنها أهالي المدينة تماما، في وضعية حيادية تتخّذ من المكان اساساً لها. في هذا المخبأ الجوهري، حيث يمكن للمرء أن يتجنّب رؤية تلك الخيام البائسة وهي تمطر أعين الناظرين بأسئلة اخلاقية مقلقة. كنا وحيدين في هذا السطح، نبدو وكأننا نشبهه في عرائنا ووحدتنا، هنا على تخوم البؤس البعيد القريب.
بدأت السلطات اللبنانية في الخامس من كانون الثاني الجاري بتنفيذ القرار الجديد المتعلق بدخول السوريين إلى لبنان
من ذاك المخبأ الجوهري، أصدر الأمن العام اللبناني ليلة رأس السنة قراراً حدد فيه دخول السوريين إلى لبنان وفق معايير ضيقة، متجاهلاً في بنوده «اللاجئين».
المشاهد المشبعة بالسكون والهدوء لمدينة محاصرة في قلب العاصفة بمنازلها المحمية المحتضنة ساكنيها بدَعة، تبدو من الخارج أليفة وحميمة، تشع دفئاً واقعياً ومصطنعاً، فيما يبدو الصقيع كغريب في أزقة لا يجد فيها إلا زوايا الأرصفة والنوافذ وقبضات بوابات الأبنية الموصدة باحكام. رغم ذلك، كان على العاصفة ألّا تنتظر عند عتبات البيوت، بل أن تتابع اقتحامها في عقول السكان القابعين داخل محمياتهم ايضاً. هم أيضاً لفحَتهم ريح الهيجان الإنفعالي لطقس أخذ يعمم طبائعه عليهم. إلا أن ذلك الجزء الآخر من الصورة، عن خيام قريبة ترتع في البؤس ويسمع صداها عندهم واضحاً، كان ما زال محجوباً تماماً، بوعي أو بدونه.
بدأت السلطات اللبنانية في الخامس من كانون الثاني الجاري بتنفيذ القرار الجديد المتعلق بدخول السوريين إلى لبنان والذي ترافق مع العاصفة، ما اعتبر البعض تطبيقه أمراً مستحيلاً في ظل الوضع الراهن الذي يعيشه السوريون في بلدهم، في حين أيده آخرين تحت مبرر التنظيم والقانون. متجاهلين تماماً أسباب نزوح ولجوء السوريون من قصف واعتقال وموت.
تقدم وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس، ووقف خلف الصورة ، مقابل المنازل المحمية تماماً، «قرار تنظيم دخول النازحين الى لبنان صدر لأن لبنان لم يعد يحتمل»، في حديثه لصحيفة الأخبار.
لنقف أمام الصورة مجدداً، تهب الريح في أرجاء البلاد، تتساقط الأمطار والثلوج بتزايد أثير. تقطّعت الكهرباء وزادت الشوارع خلاءً. بقي الأهالي في منازلهم، وانهارت الخيام فوق لاجئيها. كان الصقيع يخيّم على كل زوايا الصورة، إلا أن شيئاً آخر كان يبدو فالتاً من ذلك المصير. هناك ما يتحرك في ركن آخر من الصورة.
تعالت الأصوات المنددة بقرار السلطات اللبنانية تجاه السوريين، ارتفعت حالة التوتر لقاطني لبنان الجدد، تراكمت الأسئلة حول إمكانية البقاء، واحتمالات الخروج الضيقة. فيما كان جزء آخر منهم يصارع في مقارعة العاصفة وزيادة احتمالات البقاء على قيد الحياة. الصمود في وجه الصقيع يعني محاولات آخرى بائسة في غرس أوتاد لإنقاذ الخيم من مصيرها ومصيرهم.
هل هي تجربة أخرى من الإدراك الجسدي والذهني عندما يشعر الجسد بآلام مبرحة جراء البرد؟ هل هي تجربة أخرى من الإدراك الجسدي والذهني عندما يشعر الجسد بالدفء، لا شيء أكثر بديهية من ذلك.
هناك ما يتحرك في الصورة، الدخان يتصاعد من مكان ما فيها، المنازل تتداعى، القذائف تسقط من الطائرات الحربية باتجاه الأحياء السكينة، حركة نزوح سكاني باتجاه لبنان. هذا جزء آخر من المشهد.
نشرت جريدة النهار اللبنانية مقالاً ترافَق هو أيضاً مع العاصفة والقرار الجديد المتعلق بالتشديد على إجراءات دخول السوريون إلى لبنان والتضييق على المقيمين منهم، المقال المتفق علناً على عنصرية محتواه، لم يكن النص العنصري الأول الذي ينشر في الصحيفة، لكن المثير للاستغراب هو ردة الفعل، إذ أنها لم تختلف أبداً عن المرات السابقة ، المتلقي هنا شعر بالصدمة عند قراءة المقال كما لو شيئا جديدا يحدث للمرة الأولى، كما لو أنه لم يختبرها ابداً، بعض السوريين أخذتهم الدهشة وانخرطوا في الحروب اللغوية متناسين أجزاء أخرى أكثر أهمية وأولوية في الصورة: البحث عن حل لإيقاف القرار والالتفات لمن يصارعون الموت في المخيمات المتروكة للإنهيار والصقيع.
لقد فجّر مقال النهار عاصفة من المناورات والمناوشات بين السوريين واللبنانيين على وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الاعلام، هؤلاء تعرضوا للحدث بشكل مباشر، تلمسوه، تلقوه كما هو، واستسلموا لإدراكهم المباشر عنه، فاصلين إياه عن كل ماحوله أسباب ظهوره، خلفيات إنبثاقه، ومارافقه من أحداث تسير معه بخط متوازي، إنها فرصتهم الكبرى لتفريع التوتر تجاه ماهو مرئي في هذه اللحظة.
لنقترب من الصورة، ونوجه أبصارنا إلى المخيمات.. جسد هبة عبد الغني، الفتاة التي تبلغ من العمر 10 سنوات. تقبع هبة هادئةً في إحدى الخيم، ساكنة أشد السكون، متجمدة، كان كل شيء يتحرك حولها، إلا جسدها الممدود للموت.
وهنا ارتد وعي المتلقي (السوري واللبناني) إلى نقطة البداية، إلى اليقين الحسي، الرؤية، السمع..، حيث الموت، هو الحقيقة اللامشروطة، الذي يخفي لحظات الانفكاك بين الطرفين. الموت هو حدث فاصل يغرق التوتر المشترك في سبات جزئي إلى حين.
إن التضامن هو أساس الإنسانية، ومهمة كل المُقيمين/ات في لبنان تتمثل في محاربة التمييز والعنصرية
الحقيقة اللامشروطة تلك التي حركت مجموعات لبنانية وسورية مدنية وناشطة لمساعدة اللاجئين السوريون في المناطق اللبنانية المتضررة من العاصفة ،لإيجاد حلول لإيقاف القرار الجديد، حقيقة الموت اليومي الذي تجاهلته الحكومة اللبنانية، إذ أنها أخذت تطبق بشراسة قرارات تعجيزية على أناس قادمين من بلاد الدم على قاطني لبنان الجدد من أبناء بلاد الموت.
الصورة تحمل في تفاصيلها ترابطاً لا يحتمل وقوفاً ولا اكتفاء بجزء منها، لكن الرؤوس لا تلتفت كفاية لتشاهدها كلها، بل تكتفي بالحدث الذي يتصدر المقدمة، المرئي اللحظي المباشر.
لقد هدأت الريح، وتراجعت العاصفة، ربما هي فرصة أخرى لتفقد الأحوال: سبات المناوشات، ثبات القلق من القرار، الخيم المتهاوية، الدخان المتصاعد من البلد المجاور، الأجساد المتجمدة تحت التراب وفوقه…
لنعد إلى بنود اجراءات دخول السوريون إلى لبنان، «ذهبت إلى الأمن العام لأجدد إقامتي، لم أستطع الحصول على أي إجابة واضحة فيما يخص البنود الجديدة، سواء فيما يتعلق بالكفيل ومواصفاته، بالنزوج وشروطه .. الإجابة الوحيدة التي حصلت عليها هي لا يمكن تجديد الإقامة إلا بحضور الكفيل، أما الكفيل فيبدو أن الأمن العام لا يعرف مواصفاته حتى الآن». منى شلبي، فتاة سورية تقيم في لبنان منذ أكثر من عام ونصف.
الحكومة اللبنانية التي أدارت ظهرها عن الصورة، أضافت بنداً جديداً لدخول السوريون إلى أراضيها، «التسوق»، تلك الكلمة الغريبة عن قاموس الحرب، الحرب وضحاياه التي تصر الحكومة اللبنانية عبر القرار الجديد كف البصر عنها، وكأنها مقتنعة أشد الاقتناع بأن «الشمس لا تشرق في اليوم التالي»، وعلى الرغم من أن ذلك قد يجعلك تظن أنه لا جدوى من برهنة ما هو مرئي، محسوس وملموس، إلا أنمجموعات ناشطة من سوريون ولبنانيون مازالوا يحاولون التأكيد على برهنة عكس اللاحقيقة تلك: «تدعوكم مجموعات ناشطة في لبنان وناشطون/ات مُستقلون/ات إلى المُشاركة بالوقفة الاحتجاجية ضد قرار الأمن العام الجائر السبت، إن التضامن هو أساس الإنسانية، ومهمة كل المُقيمين/ات في لبنان تتمثل في محاربة التمييز والعنصرية».
في العادة نسمع في نشرات الأخبار المتشابهة شيئاً كهذا: عاصفة غير مسبوقة تضرب المنطقة، تتساقط الثلوج على ارتفاع 600 متر، أدّت العاصفة الى إحداث أضرار كبيرة في القطاع الزراعي، تكسرت أغصان العديد من الأشجار الحرجية والمثمرة، أُتلفت عدد من البيوت البلاستيكية، اقتلعت الأشجار وجرفت الترب… لم تكن «نشرة عابرة» لأحوال طقس غريب، بل كانت نشرة أحوال لبنان، بطقسه ناسه، بلاجئيه وأهله.
تمّهل قليلا والتفت نحو زاوية أخرى في الصورة، ستجد مشهدا آخر مغاير لشوارع المدينة المرتجفة الخاوية على عروشها: هناك ستجد من الصورة نفسها خياماً أكثر ارتجافاً وأكثر استسلاماً لطبائع الطقس العنيد، تهاوت الأوتاد وسويت الشوادر بناسها الذين تأويهم بالأرض.
في ركن آخر من المشهد، أعلنت وكالة الأنباء الرسمية أن مياه الأمطار والسيول دخلت خيام النازحين السوريين في بلدتي الشيخ عباس والسماقية في عكار شمال لبنان، و«أتت المياه على محتويات الخيم، وقد عانى النازحون طوال الليل من البرد القارس».
للصورة مكان آخر أكثر أمناً للنفوس الضعيفة: سطح يقبع مقابل المنازل التي يقطنها أهالي المدينة تماما، في وضعية حيادية تتخّذ من المكان اساساً لها. في هذا المخبأ الجوهري، حيث يمكن للمرء أن يتجنّب رؤية تلك الخيام البائسة وهي تمطر أعين الناظرين بأسئلة اخلاقية مقلقة. كنا وحيدين في هذا السطح، نبدو وكأننا نشبهه في عرائنا ووحدتنا، هنا على تخوم البؤس البعيد القريب.
بدأت السلطات اللبنانية في الخامس من كانون الثاني الجاري بتنفيذ القرار الجديد المتعلق بدخول السوريين إلى لبنان
من ذاك المخبأ الجوهري، أصدر الأمن العام اللبناني ليلة رأس السنة قراراً حدد فيه دخول السوريين إلى لبنان وفق معايير ضيقة، متجاهلاً في بنوده «اللاجئين».
المشاهد المشبعة بالسكون والهدوء لمدينة محاصرة في قلب العاصفة بمنازلها المحمية المحتضنة ساكنيها بدَعة، تبدو من الخارج أليفة وحميمة، تشع دفئاً واقعياً ومصطنعاً، فيما يبدو الصقيع كغريب في أزقة لا يجد فيها إلا زوايا الأرصفة والنوافذ وقبضات بوابات الأبنية الموصدة باحكام. رغم ذلك، كان على العاصفة ألّا تنتظر عند عتبات البيوت، بل أن تتابع اقتحامها في عقول السكان القابعين داخل محمياتهم ايضاً. هم أيضاً لفحَتهم ريح الهيجان الإنفعالي لطقس أخذ يعمم طبائعه عليهم. إلا أن ذلك الجزء الآخر من الصورة، عن خيام قريبة ترتع في البؤس ويسمع صداها عندهم واضحاً، كان ما زال محجوباً تماماً، بوعي أو بدونه.
بدأت السلطات اللبنانية في الخامس من كانون الثاني الجاري بتنفيذ القرار الجديد المتعلق بدخول السوريين إلى لبنان والذي ترافق مع العاصفة، ما اعتبر البعض تطبيقه أمراً مستحيلاً في ظل الوضع الراهن الذي يعيشه السوريون في بلدهم، في حين أيده آخرين تحت مبرر التنظيم والقانون. متجاهلين تماماً أسباب نزوح ولجوء السوريون من قصف واعتقال وموت.
تقدم وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس، ووقف خلف الصورة ، مقابل المنازل المحمية تماماً، «قرار تنظيم دخول النازحين الى لبنان صدر لأن لبنان لم يعد يحتمل»، في حديثه لصحيفة الأخبار.
لنقف أمام الصورة مجدداً، تهب الريح في أرجاء البلاد، تتساقط الأمطار والثلوج بتزايد أثير. تقطّعت الكهرباء وزادت الشوارع خلاءً. بقي الأهالي في منازلهم، وانهارت الخيام فوق لاجئيها. كان الصقيع يخيّم على كل زوايا الصورة، إلا أن شيئاً آخر كان يبدو فالتاً من ذلك المصير. هناك ما يتحرك في ركن آخر من الصورة.
تعالت الأصوات المنددة بقرار السلطات اللبنانية تجاه السوريين، ارتفعت حالة التوتر لقاطني لبنان الجدد، تراكمت الأسئلة حول إمكانية البقاء، واحتمالات الخروج الضيقة. فيما كان جزء آخر منهم يصارع في مقارعة العاصفة وزيادة احتمالات البقاء على قيد الحياة. الصمود في وجه الصقيع يعني محاولات آخرى بائسة في غرس أوتاد لإنقاذ الخيم من مصيرها ومصيرهم.
هل هي تجربة أخرى من الإدراك الجسدي والذهني عندما يشعر الجسد بآلام مبرحة جراء البرد؟ هل هي تجربة أخرى من الإدراك الجسدي والذهني عندما يشعر الجسد بالدفء، لا شيء أكثر بديهية من ذلك.
هناك ما يتحرك في الصورة، الدخان يتصاعد من مكان ما فيها، المنازل تتداعى، القذائف تسقط من الطائرات الحربية باتجاه الأحياء السكينة، حركة نزوح سكاني باتجاه لبنان. هذا جزء آخر من المشهد.
نشرت جريدة النهار اللبنانية مقالاً ترافَق هو أيضاً مع العاصفة والقرار الجديد المتعلق بالتشديد على إجراءات دخول السوريون إلى لبنان والتضييق على المقيمين منهم، المقال المتفق علناً على عنصرية محتواه، لم يكن النص العنصري الأول الذي ينشر في الصحيفة، لكن المثير للاستغراب هو ردة الفعل، إذ أنها لم تختلف أبداً عن المرات السابقة ، المتلقي هنا شعر بالصدمة عند قراءة المقال كما لو شيئا جديدا يحدث للمرة الأولى، كما لو أنه لم يختبرها ابداً، بعض السوريين أخذتهم الدهشة وانخرطوا في الحروب اللغوية متناسين أجزاء أخرى أكثر أهمية وأولوية في الصورة: البحث عن حل لإيقاف القرار والالتفات لمن يصارعون الموت في المخيمات المتروكة للإنهيار والصقيع.
لقد فجّر مقال النهار عاصفة من المناورات والمناوشات بين السوريين واللبنانيين على وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الاعلام، هؤلاء تعرضوا للحدث بشكل مباشر، تلمسوه، تلقوه كما هو، واستسلموا لإدراكهم المباشر عنه، فاصلين إياه عن كل ماحوله أسباب ظهوره، خلفيات إنبثاقه، ومارافقه من أحداث تسير معه بخط متوازي، إنها فرصتهم الكبرى لتفريع التوتر تجاه ماهو مرئي في هذه اللحظة.
لنقترب من الصورة، ونوجه أبصارنا إلى المخيمات.. جسد هبة عبد الغني، الفتاة التي تبلغ من العمر 10 سنوات. تقبع هبة هادئةً في إحدى الخيم، ساكنة أشد السكون، متجمدة، كان كل شيء يتحرك حولها، إلا جسدها الممدود للموت.
وهنا ارتد وعي المتلقي (السوري واللبناني) إلى نقطة البداية، إلى اليقين الحسي، الرؤية، السمع..، حيث الموت، هو الحقيقة اللامشروطة، الذي يخفي لحظات الانفكاك بين الطرفين. الموت هو حدث فاصل يغرق التوتر المشترك في سبات جزئي إلى حين.
إن التضامن هو أساس الإنسانية، ومهمة كل المُقيمين/ات في لبنان تتمثل في محاربة التمييز والعنصرية
الحقيقة اللامشروطة تلك التي حركت مجموعات لبنانية وسورية مدنية وناشطة لمساعدة اللاجئين السوريون في المناطق اللبنانية المتضررة من العاصفة ،لإيجاد حلول لإيقاف القرار الجديد، حقيقة الموت اليومي الذي تجاهلته الحكومة اللبنانية، إذ أنها أخذت تطبق بشراسة قرارات تعجيزية على أناس قادمين من بلاد الدم على قاطني لبنان الجدد من أبناء بلاد الموت.
الصورة تحمل في تفاصيلها ترابطاً لا يحتمل وقوفاً ولا اكتفاء بجزء منها، لكن الرؤوس لا تلتفت كفاية لتشاهدها كلها، بل تكتفي بالحدث الذي يتصدر المقدمة، المرئي اللحظي المباشر.
لقد هدأت الريح، وتراجعت العاصفة، ربما هي فرصة أخرى لتفقد الأحوال: سبات المناوشات، ثبات القلق من القرار، الخيم المتهاوية، الدخان المتصاعد من البلد المجاور، الأجساد المتجمدة تحت التراب وفوقه…
لنعد إلى بنود اجراءات دخول السوريون إلى لبنان، «ذهبت إلى الأمن العام لأجدد إقامتي، لم أستطع الحصول على أي إجابة واضحة فيما يخص البنود الجديدة، سواء فيما يتعلق بالكفيل ومواصفاته، بالنزوج وشروطه .. الإجابة الوحيدة التي حصلت عليها هي لا يمكن تجديد الإقامة إلا بحضور الكفيل، أما الكفيل فيبدو أن الأمن العام لا يعرف مواصفاته حتى الآن». منى شلبي، فتاة سورية تقيم في لبنان منذ أكثر من عام ونصف.
الحكومة اللبنانية التي أدارت ظهرها عن الصورة، أضافت بنداً جديداً لدخول السوريون إلى أراضيها، «التسوق»، تلك الكلمة الغريبة عن قاموس الحرب، الحرب وضحاياه التي تصر الحكومة اللبنانية عبر القرار الجديد كف البصر عنها، وكأنها مقتنعة أشد الاقتناع بأن «الشمس لا تشرق في اليوم التالي»، وعلى الرغم من أن ذلك قد يجعلك تظن أنه لا جدوى من برهنة ما هو مرئي، محسوس وملموس، إلا أنمجموعات ناشطة من سوريون ولبنانيون مازالوا يحاولون التأكيد على برهنة عكس اللاحقيقة تلك: «تدعوكم مجموعات ناشطة في لبنان وناشطون/ات مُستقلون/ات إلى المُشاركة بالوقفة الاحتجاجية ضد قرار الأمن العام الجائر السبت، إن التضامن هو أساس الإنسانية، ومهمة كل المُقيمين/ات في لبنان تتمثل في محاربة التمييز والعنصرية».